د. عدنان بن عبد الله الشيحة لا شك أن البحث عن حلول وفرص اقتصادية جديدة هدف وطني يتفق عليه الجميع، بل هو ضرورة تحتمها الظروف الداخلية والخارجية ويفتح المجال للارتقاء بمستوى وقوة الاقتصاد الوطني وتمكنه من توظيف الموارد توظيفا كاملا بكفاءة وفاعلية، خاصة تلك الموارد المتعلقة بالمخزون الكبير من الموارد البشرية. وعلى أن المدن الاقتصادية أنشئت لتحقق هذه الأهداف والأمنيات إلا أنها في ذات الوقت تفتقد الرؤية الشاملة والترابط فيما بينها فهي على ما يبدو نسخ مكررة تم اعتماد إنشائها من أجل تحقيق إعادة توازن التنمية بين المناطق ومحاولة جادة نحو تطويرها وتنمية الأقل حظا ورفع المستوى المعيشي للمواطنين في تلك المناطق. كل ذلك يتوافق مع المعطيات وينسجم مع الخطة العمرانية، إلا أن الإشكالية ليست في التطلعات والرغبة في تنمية المناطق وإيجاد فرص وظيفية عبر إنشاء هذه المدن الجبارة، الإشكالية تكمن في عدم وجود أهداف استراتيجية وطنية تربط بين هذه المدن وتحدد طبيعة ونوعية القاعدة الاقتصادية بحيث تتميز كل مدينة بصناعة محددة بدلا من أن تكون عامة دون هوية اقتصادية. بشكل أدق لا يُعلم إذا ما كانت هذه المدن الاقتصادية العملاقة تنافسية أم تكاملية؟! يبدو في ظاهر الأمر أنها تنافسية وإذا كان الأمر كذلك فهذا خطأ فادح يجب تداركه الآن قبل أن تقع الفأس بالرأس وتعوق كل مدينة اقتصادية شقيقاتها وتقلل من قدرتها التنافسية وتسهم في تقليص حظوظها في النجاح. وعلى ذات السياق فإن هذا الوضع التنافسي سيؤدي إلى إضعاف موقف كل مدينة أمام المستثمرين سواء المحليون أو الأجانب، لأن العرض سيفوق الطلب وستجد كل مدينة نفسها مضطرة إلى تقديم تنازلات كبيرة من أجل الفوز بالاستثمارات والحرص على أن تستحوذ أكبر قدر من المشاريع على حساب المدن الأخرى. المشكلة هنا تتعلق بمفهوم الصناعة والتخصصية والميزة التفضيلية. لا تستطيع أي مدينة اقتصادية إذا ما أرادت النجاح أن تكون كل شيء. لأنها أولا، لا تملك الخبرة الواسعة والمتعددة، فالخبرة تحتاج تراكما معرفيا وهذا لا يتأتى إلا عن طريق التخصصية. ثانيا، إن عدم التخصصية يقلل من قدرتها التنافسية ولا يمنحها التميز والشهرة في نوع معين من الصناعة الذي هو سر النجاح. إن الصناعة تعني مجموعة من المنتجات متشابهة أو بديلة لبعضها البعض تتطلب صناعات رديفة مساندة لها، وهكذا تنشأ مصانع كثيرة كلها لخدمة صناعة بعينها. على سبيل المثال صناعة الأغذية أو صناعة البتروكيماويات كل واحدة منها تحتاج إلى أنواع متخصصة من المصانع المساندة مثل التغليف وخدمات التوزيع والتسويق وغيرها. تحديد الصناعات الأساسية يعتمد في المقام الأول على الميزة التفضيلية والإمكانات المتاحة في كل منطقة مقارنة بالمناطق الأخرى. فعلى سبيل المثال إذا كانت جيزان تشتهر بالزراعة والرعي فيكون من الأولى أن تكون المدينة الاقتصادية مبنية على هذا الأساس وبالتالي تحديد المصانع المساندة التي تدعم الصناعة الرئيسة، وهكذا في كل مدينة اقتصادية، أن تخصص كل مدينة من المدن الست في مجال اقتصادي معين يؤدي إلى تكوين قدرات وبناء إمكانات ومهارات في مجال اقتصادي بعينه يمنحها ميزة تفضيلية وتنافسية. إنها القاعدة الاقتصادية التي يجب التركيز عليها بحيث تتخصص كل مدينة في قطاع معين مثل الزراعة أو التعدين أو السياحة. هناك من يعتقد أن المدن الاقتصادية ورشة كبيرة (صناعية) تضم مصانع مساندة عديدة دون وجود صناعة أساسية ترتبط بالقاعدة الاقتصادية التي تعطي المدينة هويتها وتميزها الاقتصادي. ولذا فإن المدن الاقتصادية دون تخصص صناعي واقتصادي فهي هلامية لا يُعلم كيف ستكون في الحاضر وما وجهتها في المستقبل! أخشى أن الانشغال بالأهداف متوسطة المدى لا يجعلنا نفكر في الأهداف الاستراتيجية الوطنية. فالواجب أن تكون هذه المدن لبنات أساسية تكاملية في الاقتصاد الوطني أي أنها تسهم في توفير منتجات وسلع اقتصادية تلبي الاحتياجات الصناعية وتحقق الرؤية المستقبلية لما نريد أن نكون عليه في المستقبل. إلا أنه في الوقت الحاضر لا توجد استراتيجية اقتصادية وطنية لـ 25 أو 30 سنة المقبلة التي ترسم لنا الطريق وتضع الأطر العامة التي تنضوي تحتها جميع النشاطات والمشاريع الاقتصادية متوسطة وقصيرة الأجل. ما لدينا الآن هو خطط خمسية تشغيلية وليس استراتيجية عامة ترشد إلى أين نحن ذاهبون وكيف الوصول إلى الأوضاع المستقبلية التي نتطلع إليها؟ إن العبء الأكبر يقع على وزارة التخطيط والاقتصاد في صياغة الاستراتيجية الوطنية بالتعاون مع جميع الأطراف بما في ذلك الوزارات والجامعات ورجال الأعمال ومن ثم وضع خريطة اقتصادية وجدولة للمشاريع وخطط تنفيذية مرحلية وأهداف ومعايير تحدد لكل طرف ماذا يجب علية القيام به. وهكذا يكون الجميع على دراية بالأمر ووعي تام لما ينبغي عمله وعلاقته بالأهداف الاستراتيجية المستقبلية. إن الأعمال والمشاريع لا تقوم إلا بالتنسيق والتكامل وأهداف واضحة، محددة، مقبولة، ومفهومة، يعلمها الجميع. ولا نستطيع بأي حال من الأحوال في ظل اتباع سياسات متفرقة مجزأة غارقة في الإجراءات أن نحقق نجاحات ذات تأثير كبير في مسارنا الاقتصادي ومشروعنا التنموي. لذا قد يكون من الأهمية بمكان أن يخصص أحد الحوارات الوطنية يدعى إليه المتخصصون والمهتمون لمناقشة الرؤية المستقبلية للاقتصاد الوطني في محاولة للإجابة عن السؤال الرئيس: ماذا .. وكيف نريد أن نكون عليه بعد 30 سنة من الآن؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تحدد وجهتنا الاقتصادية وتدفع نحو تحول الاقتصاد السعودي إلى ما نصبو إليه من حيث نوع الصناعة وحجمها وقدرتها التنافسية. بشكل أدق في أي مجال اقتصادي وصناعي نرغب أن نتخصص فيه في ظل العولمة والتنافس الاقتصادي العالمي والتهيئة للأجيال القادمة في عمل تراكمي تكون كل مرحلة أساسا للمرحلة التي تليها وهكذا حتى يكتمل البناء. لا نستطيع السير في طريق التنمية دون بوصلة ترشدنا إلى الاتجاه الصحيح وهي الاستراتيجية الوطنية، كما أننا لا نستطيع القفز على مراحل التطور الطبيعي للأشياء ولا أن نختصرها لأن كل مرحلة تتطلب الإعداد والوقت الكافي حتى تهيئ للمرحلة التي تليها. إن من بين المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد الوطني أن الصناعات في معظمها ما زالت بسيطة، مساندة، استهلاكية، وليست صناعات تجميعية متخصصة رأسمالية (المقصود بالتجميعية صناعة تضم عدة مصانع تكمل بعضها بعضا)، ولذا لم تستطع استيعاب الأعداد الكبيرة من الشباب المؤهل. إن المدن الاقتصادية وفي ظل غياب الاستراتيجية الوطنية قد تحقق الأهداف قصيرة الأجل ولو بمستوى ضعيف، ولكن ليس بالضرورة طويلة الأجل. أمر آخر على مستوى كبير من الأهمية لم تتم مناقشته يتعلق بتأثير المدن الاقتصادية بالتنمية الإقليمية داخل كل منطقة. فالمدن الاقتصادية ستشكل أقطاب تنمية رئيسة في المناطق ومن ثم من المحتمل أنها ستؤثر في نمو المستقرات الأخرى داخل كل منطقة، فهل هناك سياسات تنسيقية تجعل اقتصاديات المدن الأخرى تفيد وتستفيد من المدينة الاقتصادية؟ بطبيعة الحال هذا يستلزم دراسة الإمكانات المتاحة وطبيعة الاقتصاد في كل مدينة وحالة شبكة المواصلات والنقل كما يلزم تحديد الخبرات والمؤهلات وكيفية زيادة الفرص الوظيفية لأبناء تلك المناطق. ويبقى عامل أساس ومهم في نجاح أي مدينة اقتصادية هو إنشاء هيئة إدارية تختص بإدارة شؤونها ذات استقلال مالي وإداري تسعى لاستقطاب الاستثمارات تكون فيه العلاقة مع هيئة الاستثمار إرشادية استشارية وليست إلزامية. * نقلاً عن جريدة "الإقتصادية" السعودية. |
4 مشترك
المدن الاقتصادية وافتقاد الهوية
nabil- المدير العام
عدد الرسائل : 704
العمر : 37
الموقع : في المنتدى
العمل/الترفيه : Opérateur
المزاج : Tranquilo
رقم العضوية : 01
تاريخ التسجيل : 26/11/2007
- مساهمة رقم 1
المدن الاقتصادية وافتقاد الهوية
المتنبي- نائبة عامة
عدد الرسائل : 343
العمر : 37
الموقع : المغرب
العمل/الترفيه : طالبة
المزاج : جيد
الدولة :
رقم العضوية : 04
تاريخ التسجيل : 07/12/2007
- مساهمة رقم 2
رد: المدن الاقتصادية وافتقاد الهوية
مشكووووووووووووووووووووووور
bassma- مشرفة منتديات شؤون المرأة
عدد الرسائل : 619
العمر : 30
الموقع : maroc
العمل/الترفيه : التايكواندو و الإستماع إلى الموسيقى
المزاج : مرحة
الدولة :
رقم العضوية : 07
تاريخ التسجيل : 04/02/2008
- مساهمة رقم 3
رد: المدن الاقتصادية وافتقاد الهوية
nada- مغربي عربي مبدع
عدد الرسائل : 257
العمر : 36
الموقع : www.i3tesam.com
العمل/الترفيه : etudiante
المزاج : bien
الدولة :
رقم العضوية : 16
تاريخ التسجيل : 09/05/2008
- مساهمة رقم 4